التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يوم الرسول صلى الله عليه وسلم وليله

يوم الرسول صلى الله عليه وسلم وليله

حياةُ الجدِّ سر النجاح، وتنظيم العمل اليومي وسيلة وفرة الإنتاج؛ وإذا كان هذا ضروريًّا لعامة الناس في النطاق الضيق الذي يعيشون فيه والعمل الضئيل الذي يزاولونه، فهو ألزم للخاصَّة الذين يقومون بمختلف الأعمال الضخمة، ويحملون أعباء المهام الثقال.
وللرسول -صلوات الله وسلامه عليه- في ذلك المثل الأعلى؛ فمهمته إبلاغ رسالة عظمى إلى الخلق كافّة، وتكوين أمة حديثة، ومحاربة ضلالات متأصلة، وهداية أقوام شداد ذوي صلف وعناد، وقد سلخ من عمره أربعين عامًا؛ وأُمر بأن يصدع بأمر ربه ليكمل الدين ويؤدي الأمانة، فما أحوجه إلى تنظيم وقته حتى يتسع لهذه المهام! لذلك أُثر عنه صلى الله عليه وسلم في ليله ونهاره نظام بالغ الغاية في الدقة.
أما في الليل فقد كان من المفروض عليه التهجد فيه، فكان لا يدع قيام الليل في حضر ولا سفر تعبدًا لله تعالى؛ لذلك كان ينام أول الليل بعد صلاة العشاء إلا لضرورة توجبها مصلحة الأمة، فينام على فراش غير وثير من أدم وليف، ليكون أدعى إلى عدم الإطالة فيه، يقول عند نومه: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك». ثم يستيقظ إذا انتصف الليل أو قبْل منتصفه بقليل أو بعده بقليل فيقول: «لا إله إلا أنت سبحانك أستغفرك لديني وأسألك رحمتك، اللهم زدني علمًا ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب».
ثم يستاك "وكان استعمال السواك عادة دائمة له" ويتوضأ ويصلي ما كتب الله له، ثم ينام وربما قام مرة أخرى وأعاد ذلك، حتى إذا أذن المؤذن للفجر خرج إلى الصلاة وهو يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم أعطني نورًا».
دعاءٌ جامعٌ ما أروعه! وما أنسبه بالوقت الذي ترفع فيه سِجْف الليل المظلم، وتبدو فيه تباشير نور الصباح المشرق! فيسأل فيه ربه مُقلِّب الليل والنهار أن يجعل له نورًا في قلبه وحواسه وجهاته حتى يغشاه النور ويحيط به من كل جانب في الباطن والظاهر، فيكون كله نورًا يسعى بين يديه فيكشف له أسرار الوجود ومعالم الحقائق، ويشرق في قلوب الناس فيستجيبون لدعوته ويهتدون برسالته، وما دعوته إلا الحق الأبلج، وما رسالته إلا الصراط المستقيم والدين القويم.
وكم له صلى الله عليه وسلم في مقام العبودية ومواقف الضراعة إلى الله من الأدعية المأثورة ما له في الروعة والجلال ما يعجز له اللسان!
أما في النهار فقد كان يجلس لأصحابه كواحدٍ منهم يزيده الوقار جلالاً، والإحسان كمالاً، والتواضع جمالاً، يُعلّمهم ويرشدهم ويتفقد شئونهم، ويقضي حوائجهم، ويواسي مُعوِزهم، ويعود مريضهم، ويدير المصالح العامة للأمة ويتحدث ويخطب، وينذر ويبشّر ويقسم الأعطية، ويقابل الوفود، ويتلو آيات القرآن الكريم، لا يحجبه عن أحد حاجب، ولا يعرض عن سائل، ولا يلقى أحدًا بمكروه.
فإذا أوى إلى منزله جزَّأ زمنه فيه ثلاثة أجزاء: جزء لله تعالى يعبده فيه بالنوافل والطاعات، وجزء لأهله يدير فيه أمورهم ويصلح شأنهم ويشاركهم فيما يعملون، وجزء لنفسه ثم جعل في هذا الجزء جزءًا لخواصّ أصحابه وأهل السابقة منهم يدخلون إليه على قدر فضلهم في الدين، منهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيعني بهم ويرشدهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، ويعهد إليهم أن يرفعوا إليه حوائج العامة الذين لا يستطيعون الدخول إليه ورفع حوائجهم بأنفسهم لكثرتهم وعدم سعة المكان لها، ويقضي فيها بما ينبغي أن يُقضى، ويكلف الخاصة إخبار العامة بذلك؛ فيرد على العامة بواسطة الخاصة، ولا يدخر عنهم شيئًا مما ينفعهم ويقول: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب»، ويقول: «أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من بلّغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدمه يوم القيامة»، وفي رواية: «آمنه الله يوم الفزع الأكبر».
ذلك نظامه وعمله وتوزيع وقته بين حق الله، وحق الأمة، وحق أهله، وحق نفسه، في ليله ونهاره في بيته وخارج بيته.
فكانت الأمة شغله الأكبر في حركته وسكونه، في نومه ويقظته حتى في وقت راحته، بل كان سكوته تفكيرًا في أمرها، وتدبيرًا لشئونها، مع قيامه بحق ربه في كل لحظة وحال.
عَنَى بالعامة وهو في منزله، ووقف راحته يحث الخاصة على إبلاغه حوائجهم إذا لم يستطيعوا إبلاغها بأنفسهم؛ لأنه راعٍ وكل راع مسئول عن رعيته، فقام الخاصة بالسفارة بينه وبين العامة، لا لزلفى ولا لجرِّ مغنم بل ابتغاء الله ورسوله.
ولم يكن إيثاره الخاصة لحب أو هوًى، ولا تقديم بعضهم على بعض لقربى أو مصاهرة أو تزلف، وإنما كان لوجه الله تعالى وعلى حسب تفاضلهم في التقوى وسابقة الإسلام والجهاد في سبيل الله.
بهذا كان المجتمع الإسلامي في عهده صلى الله عليه وسلم بريئًا من الأضغان، سليمًا من الشوائب، فلا أثرة ولا أنانية، ولا حقوق مهدورة، ولا مصالح مهملة، ولا إرشاد يدخر ولا نفع يؤخر.
إن في رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسوة حسنة لكل من وَلِيَ أمرًا من أمور المسلمين، دقّ أو جلّ، وفي هديه نور يعصمه من الزلل، ويُمَكِّن له العمل، ويحبب إليه النفوس، ويعطف عليه القلوب، ثم يريح ضميره إذا خلا إلى نفسه فحاسبها على ما قدمت يداه في ليله ونهاره، وهل أدى حق الله تعالى وحق الأمة فيهما أو قصر عن ذلك؟ فعَلِم أنه وَفَى الحق ونهض بالعلم وأدى الأمانة وخرج من يومه طاهر اليد نقي العرض، موفور الكرامة، عدلاً في الولاية، لم يَجْن إثمًا ولم يعقب وزرًا.
والله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
المصدر: شبكة الألوكة، نقلاً عن مجلة كنوز الفرقان.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Purity of the life of the Messenger of Allah

The life of the Messenger of Allah before the mission The life of the Messenger of Allah before and after the mission was characterized by complete purity, ethics and great qualities that rarely meet in that ignorance environment for anyone. The Messenger of Allah was known for honesty and honesty. This made the enemies of the Messenger of Allah trust him for their money and deposits despite their great hostility towards him. Allah's enmity towards his people is a secret to him. Therefore, the Messenger of Allaah (peace and blessings of Allaah be upon him) used Ali bin Abi Talib as the night of migration to return the deposits to their owners, even though the owners of these secretariats agreed to kill him that night. Save God to the Messenger of Allah And look at the biography of the Messenger of Allah to recognize the purity of his life and the preservation of God to him; he has done the right to the eye of God and the Almighty; to be the seal of prophets and messengers, m

الحبسة الكلامية

الحبسة الكلامية (الأفازيا) إعداد أميمة محمد شريف 1 مقدمة يعود تاريخ دراسة كيفية تنظيم اللغة في الدماغ إلى خمسة الاف سنة خلت. تتمثل  زيادة التعقيدات في الحالة الراهنة في نماذج اللغة النفسية العصبية من ناحية ، و زيادة وسائل و أساليب فحص وظيفة الدماغ من الناحية الأخرى . ولا تستخدم الطرق الدوائية و الجراحية بسبب مخاطرها الأكيدة إلا مع الناس الذين هم بحاجة ماسة إلى نوع من العمل الجراحي أو السريري. 2 احتباس الكلام "الأفازيا" مصطلح يوناني مكون من مقطعين A و تعني عدم أو خلو  و المقطع الثاني  phasis و يعني كلام و تترجم بالعربية " الحبسة الكلامية أما مصطلح Dysphasis يشير  إلى اضطراب الوظيفة الكلامية. المفهوم العام للحبسة الكلامية : هو عدم القدرة على أداء  أصوات الكلام بشكل صحيح نتيجة الاضطراب في الجهاز الحركي الذي يؤدي إلى تدهور التناسق بين عضلات جهاز النطق فتنطق الكلمة و عضلات الفم مرتخية فيحدث لها تطويل و ليست الأفازيا مجرد انعدام القدرة على النطق او إخراج الصوت و لكنها أيضا تعطل في الوظيفة الكلامية من ح

الجهاز العصبي

سلوك الفرد متوقف على إدراكه للبيئة المحيطة يتم من خلال الحواس التي تنقل المثيرات من البيئة الخارجية عبر الخلايا العصبية - النخاع الشوكي-المخ حيث يتم ترجمة الإشارات ل سلوك ================ يتكون الجهاز العصبي من :- ١) جهاز عصبي مركزي.( إرادي) ٢) جهاز عصبي لا مركز ي ( لاإرادي). =========== يتكون الجاز العصبي المركزي من:- ١) الدماغ . ٢) النخاع الشوكي. ============= يتكون الدماغ من ثلاث مناطق ( الأمامي - الأوسط- الخلفي). يوجد في الجزء الأمامي ١) الهيبوسلاموث. ٢) الجهاز الطرفي. ٣) الأجسام القاعدية. ================= يتكون المخ من نصفين كرويين كل نصف اربع فصوص  ( أمامي- جبهي -خلفي صدغي). المخيخ مخ مصغر نصفين كرويين كل نصف اربع فصوص الذي ينتهي بجزع المخ ثم النخاع المستطيل ثم النخاع الشوكي الذي يحيط به العمود الفقري. [١١:٥٢ م ١٩‏/٥‏/٢٠١٧] O_Sh: كل جزء في المخ مسئول عن سلوك إرادي ======== الجهاز العصبي اللامركزي المحيطي اللإرادي يتكون من:- ١) جزء جسمي.  ٢) جزء لاإرادي. ============ الجسمي يتكون من (١٢) زوج من الأعصاب الزوج الأول مسئول عن حاسة البصر. الزوج الثاني مسئول