التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حرص الرسول على أمته

حرص رسول الله على أمته

أرسل الله  نبيَّه محمد  طوقًا لنجاة البشريَّة من غيِّها وضلالها، فاستحقَّ رسول الله  بحقٍّ أن يكون منقذًا للإنسانيَّة، فكانت سيرة رسول الله   أعظم نبعٍ لمن يُريد تربية الأمم -أفرادًا وجماعاتٍ- على قيم الحبِّ والرأفة، التي تمثَّلت في حرص رسول الله  على الناس عامَّة، وأُمَّته خاصَّة، وكان هذا الحرص نابعًا من رأفة رسول الله   ورحمته بهم، كما كان ذلك دليلاً على صدق نُبُوَّتِهِ ؛ لذلك وصف الله I حرص رسول الله  على أُمَّتِه بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
صور من حرص رسول الله
لقد بلغ حرص رسول الله  على أُمَّته حدًّا لا يتخيَّله أحد من البشر؛ فمن صور حرص رسول الله ، أنه منذ اللحظات الأُولى للدعوة وهو يأمر القلَّة المستضعفة في مكة بالهجرة للحبشة فِرارًا بدينهم، فيقول رسول الله : "لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ؛ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِي أَرْضُ صِدْقٍ؛ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَكُمْ فَرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ.."[1].
وكثيرًا ما رأينا رسول الله  يُعرِض عن عمل من الأعمال -وهو مُقرَّب إلى قلبه، ومحبَّب إلى نفسه- لا لشيء إلاَّ لخوفه أن يُفْرَض على أُمَّته، فيعنتهم ويشقّ عليهم؛ لذا قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ"[2].
وكان رسول الله  يُحَذِّر الأُمَّة من الذنوب، ويُوَضِّح خطرها على كيانها وقوَّتها مهما كانت الذنوب بسيطة في عين المسلم؛ فعن عبد الله بن مسعود  أن رسول الله  قال: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ". وإنَّ رسول الله  ضرب لَهُنَّ مَثَلاً: "كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا"[3].
كما خشي رسول الله  على أُمَّته من الأئمة المضلِّين، الذين يقودونها إلى الهلاك والضياع، فيقول  مخاطبًا أُمَّته: "إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ"[4].
وامتدَّ حرص رسول الله  ورفقه بالمؤمنين في شئون دينهم المختلفة، وخاصَّة في جانب العبادات، فمع أن التقرُّب إلى الله والتبتُّل إليه أمرٌ محمود مرغوب، بل هو مأمور به، لكن رسول الله  كان يخشى على أُمَّته من المبالغة في الأمر، فيفتقدون التوازن في حياتهم، فقال رسول الله : "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَخَّرْتُ صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِ اللَّيْلِ"[5]. فهذا الحديث وغيره يُبَيِّن مدى حُبِّ  رسول الله  لأُمَّته، وحرصه عليها وعلى مصالحها في أمور دينها.
ومِنْ ثَمَّ كان رسول الله  يتحيَّن الفرص في إبراز حقيقة حرصه على الناس كافَّة؛ فقد سَمِعَ رسول الله  أن ثلاثةً من الصحابة يُريدون أن يَشُقُّوا على أنفسهم؛ ظنًّا منهم أن هذا الأمر سيكون سببًا قويًّا في قربهم لله تعالى؛ فعن أنس بن مالك  أنه قال: "جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ  إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: (أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"[6].
وما أجمل أن نختم كلامنا بموقف يعكس مدى انشغال رسول الله  بأُمَّته وحرصه عليها، ومدى تقدير ربِّ العالمين Iلهذا الحرص! فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- إذ يروي "أن النبي  تلا قول الله تعالى في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وقال عيسى : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي". وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ : يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ  فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ  بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلا نَسُوءُكَ"[7].

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Purity of the life of the Messenger of Allah

The life of the Messenger of Allah before the mission The life of the Messenger of Allah before and after the mission was characterized by complete purity, ethics and great qualities that rarely meet in that ignorance environment for anyone. The Messenger of Allah was known for honesty and honesty. This made the enemies of the Messenger of Allah trust him for their money and deposits despite their great hostility towards him. Allah's enmity towards his people is a secret to him. Therefore, the Messenger of Allaah (peace and blessings of Allaah be upon him) used Ali bin Abi Talib as the night of migration to return the deposits to their owners, even though the owners of these secretariats agreed to kill him that night. Save God to the Messenger of Allah And look at the biography of the Messenger of Allah to recognize the purity of his life and the preservation of God to him; he has done the right to the eye of God and the Almighty; to be the seal of prophets and messengers, m

الحبسة الكلامية

الحبسة الكلامية (الأفازيا) إعداد أميمة محمد شريف 1 مقدمة يعود تاريخ دراسة كيفية تنظيم اللغة في الدماغ إلى خمسة الاف سنة خلت. تتمثل  زيادة التعقيدات في الحالة الراهنة في نماذج اللغة النفسية العصبية من ناحية ، و زيادة وسائل و أساليب فحص وظيفة الدماغ من الناحية الأخرى . ولا تستخدم الطرق الدوائية و الجراحية بسبب مخاطرها الأكيدة إلا مع الناس الذين هم بحاجة ماسة إلى نوع من العمل الجراحي أو السريري. 2 احتباس الكلام "الأفازيا" مصطلح يوناني مكون من مقطعين A و تعني عدم أو خلو  و المقطع الثاني  phasis و يعني كلام و تترجم بالعربية " الحبسة الكلامية أما مصطلح Dysphasis يشير  إلى اضطراب الوظيفة الكلامية. المفهوم العام للحبسة الكلامية : هو عدم القدرة على أداء  أصوات الكلام بشكل صحيح نتيجة الاضطراب في الجهاز الحركي الذي يؤدي إلى تدهور التناسق بين عضلات جهاز النطق فتنطق الكلمة و عضلات الفم مرتخية فيحدث لها تطويل و ليست الأفازيا مجرد انعدام القدرة على النطق او إخراج الصوت و لكنها أيضا تعطل في الوظيفة الكلامية من ح

علم نفس عصبي و حالة عن العصب السابع

علم النفس العصبى القياس الدينامى : يسعى لقياس قدرة الفرد عل الافادة والاستفادة من التعلم من البيئة واستقبال المثيرات المخ نظام مفتوح من خلال مع بيئة غنية بالمثيرات المتغير والمتنوعة والمتمددة التى تحفز المخ وتنشط العمليات المعرفية والوجدانية فالبيئة الفقيرة بالمثيرات تؤدى بالمخ للتبيس المعرفى وتصبح هناك فجوة بين الاداء الفعلى والاداء الممكن علم النفس العصبى : معنى بتحديد الخلل فى المخ وشدة الاصابة وتأثير تعاطى بعض المواد مثل المواد المخدرة ووظائف الدماغ ويمدد تاثير العلاج او التدخل العلاجى او التدخل الجراحى ويقيم اضطرابات التعلم . جذور على النفس العصبى : هو فرع من فروع علم النفس الاكلينكى ويستخدم كطريقة لتقييم اداء المخ والجهاز العصبى اساسى السلوك هو الخلية العصبية الفرضية الاولى : اى تلف او اضطراب فى منطقة الخلية العصبية تؤثر على السلوك رغم ام الخلايا العصبية غير مرتبطة مكانا الفريضة الاولى : المخ عبارة عن نهايات عصبية تتكاتف لاداء الوظيفة العصبية مسألة دقة التشخيص فى علم النفس العصبى فى نواحى الطب المختلفة التشخيص يقوم على الاغراض المادية ا